إن الحمد لله نحمده ونستعينه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته واهتدى بهديه إلى يوم الدين .
أما بعد فهذه رسالة عن سنن الصلاة ورواتبها ؛ تعين المسلم في الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم .
فضل سنن الصلاة :
لسنن الصلاة فضل عظيم ؛عن أَبي أُمَامَةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم : “مَا أَذِنَ الله لِعَبْدٍ في شَيءٍ أَفْضَلَ مِنْ رَكْعَتَيْنٍ يُصَلّيهِمَا، وَإِنّ البِرّ لَيُذَرّ عَلَى رَأْسِ الْعَبْدِ مَا دَامَ فِي صَلاَتِهِ (رواه أحمد والترمذي )
حكمتها :
شرعت السنن لتكون جبرًا لما عسى أن يكون قد وقع في الفرائض من نقص ؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: “إنّ أوّلَ مَا يُحَاسَبُ النّاسُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أعْمَالِهِمْ الصّلاَةُ، قال : يقولُ رَبّنَا -عَزّ وَجَلّ -لِمَلاَئِكَتِهِ وَهُوَ أعْلَمُ: انْظُروُا في صَلاَةِ عَبْدِي أتَمّهَا أمْ نَقَصَهَا؟ فإنْ كَانَتْ تَامّةً كُتِبَتْ لَهُ تَامّةً وَإنْ كَانَ انتَقَصَ مِنْها شَيْئاً. قال: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِيَ مِنْ تَطَوّعٍ؟ فإنْ كَانَ لَهُ تَطَوّعٌ قال: أتِمّوا لِعَبْدِي فَرِيضَتَهُ مِنْ تَطَوّعِهِ، ثُمّ تُؤْخَذُ الأعْمَالُ عَلَى ذَاكَ”. ( رواه أبو داود والحاكم في المستدرك)
السنن إجمالا :
أجمل النبي صلى الله عليه وسلم سنن الصلاة فيما رواه عبد اللّه بن مَغفل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “بين كل أذانين صلاة” ( رواه البخاري. ومسلم )
السنن تفصيلا: 1- الوتر:
الوتر سنة واجبة ؛ لا ينبغي للمسلم أن يتركه بأي حال من الأحوال ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : من لم يوتر فليس منا (رواه أحمد )
والوتر هو أن يصلي المسلم آخر ما يصلي من نافلة الليل بعد العشاء ركعة ؛عن أبي أيوب رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : الوتر حق فمن أحب أن يوتر بخمس فليفعل ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل. ( رواه الخمسة إلا الترمذي) .
وإذا نام المسلم عن الوتر حتى أصبح قضاه قبل صلاة الصبح ؛ عن أبي سعيد رضي الله عنه قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ” من نام عن وتره أو نسيه فليصله إذا ذكره “.( أخرجه أحمد وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه )
ولو صلى الوتر ثلاث ركعات يسن أن يقرأ فيهن بسور الأعلى والكافرون والإخلاص ؛عن أبيِّ بن كعب رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الوتر بسبح اسم ربك الأعلى ، وفي الركعة الثانية بقل يا أيها الكافرون وفي الثالثة بقل هو اللَّه أحد ، ولا يسلم إلا في آخرهن .( رواه النسائي ) .
ويكره تعدد الوتر في الليلة الواحدة لقوله صلى الله عليه وسلم : ” لا وتران في ليلة ” ( رواه الترمذي وحسنه )
2- الرواتب المؤكدة:
الرواتب هي سنن الصلاة القبلية والبعدية مع الفرائض ، وهن عشر ركعات ، وهي ركعتان قبل الظهر، وركعتان بعده، وركعتان بعد صلاة المغرب، وركعتان بعد صلاة العشاء، وركعتان قبل صلاة الصبح، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما : ” حفظت عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ركعتين قبل الظهر وركعتين بعد الظهر وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء وركعتين قبل الفجر. (متفق عليه)
يقول الإمام المناوي – رحمه الله -:هذه العشر هي الرواتب المؤكدة لمواظبة المصطفى صلى الله عليه وسلم عليهن وبقيت رواتب أخرى لكنها لا تتأكد .
والراتبة سنة مؤكدة فإذا فاتته قضاها ، إلا ما فات منها مع الفرائض وكثر، فتركه أولى ، دفعاً للحرج ، ويستثنى من ذلك سنة الفجر، فإنها تقضى ولو كثرت ، وإذا صلى السنة القبلية للفرض بعده كانت قضاء، ولو لم يخرج الوقت .
يقول الإمام الزيلعي- رحمه الله -: لم يرو أنه صلى الله عليه وسلم ترك شيئاً من الرواتب المذكورة في النوافل، إلا الركعتين بعد الظهر، وقضاهما بعد العصر، وركعتي الفجر، وقضاهما بعد الشمس .
أهمية رغيبة الفجر :
ركعتا الفجر سنة مؤكدة كالوتر ، فإذا كان الوتر مختتم صلاة المسلم بالليل ؛ فرغيبة الفجر هي مبتدأ صلاته بالنهار ، أكدها النبي صلى الله عليه وسلم بعمله ؛ عن عائشة قالت: ” لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم على شيء من النوافل أشد تعاهداً منه على ركعتي الفجر” ( متفق عليه ) .
وسميتا رغيبة الفجر لأن الرسول صلى الله عليه وسلم رغب فيهما كثيرا فقال: ” ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها “(رواه أحمد ومسلم والترمذي وصححه عن عائشة رضي الله عنها ) . وعن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ” لا تدعوا ركعتي الفجر ولو طاردتكم الخيل” (رواه أحمد وأبو داود )
وقتها : وقت سنة الفجر من طلوع الفجر إلى صلاة الصبح ، ومن نام حتى طلعت الشمس أو نسيها صلاها متى ذكرها عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : “من لم يصل ركعتي الفجر فليصلهما بعد ما تطلع الشمس ” ( رواه الترمذي ) . وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قضاهما مع الفريضة لما نام عن الفجر في السفر.
صفتها : سنة الفجر ركعتان خفيفتان يقرأ فيهما بالكافرون والصمد؛ عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ” رمقت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم شهراً فكان يقرأ في الركعتين قبل الفجر قل ياأيها الكافرون وقل هو اللَّه أحد “(رواه الخمسة إلا النسائي)
3- غير الرواتب :
غير الرواتب عشرون، وهي: أربع ركعات قبل صلاة الظهر، وأربع بعدها، وأربع قبل صلاة العصر؛ وأربع بعد صلاة المغرب، وأربع بعد صلاة العشاء، ويباح أن يصلي ركعتين بعد أذان المغرب، وقبل صلاتها، لحديث أنس رضي الله عنه : كنا نصلي على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ركعتين بعد غروب الشمس، فقيل أكان رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صلاها؟ قال: كان يرانا نصليهما فلم يأمرنا ولم ينهنا.( رَوَاهُ مُسلِمٌ )
وقد جاءت أحاديث كثيرة ترغب في هذه الصلوات منها :
عن أم حبيبة – رضي الله عنها – قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من صلى أربع ركعات قبل الظهر وأربعاً بعدها حرمه اللَّه على النار(رواه الخمسة وصححه الترمذي ).
وعن البراء بن عازب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” من صلى قبل الظهر أربعاً كأنما تهجد بهن من ليله ، ومن صلاهن بعد العشاء كن كمثلهن من ليلة القدر” (رواه الطبراني في الأوسط وسعيد بن منصور في سننه)
وعن أم حبيبة بنت أبي سفيان – رضي الله عنها – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من صلى من يوم وليلة ثنتي عشرة سجدة سوى المكتوبة بني له بيت في الجنة. (رواه الجماعة إلا البخاري ).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما : ” أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “رحم اللَّه امرأ صلى قبل العصر أربعًا” (رواه أحمد والترمذي.)
تنبيهات مهمة :
1-الأفضل أن تصلي الرواتب والوتر، وما لا تشرع له الجماعة من الصلوات في بيتك ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: “لا تجعلوا بيوتكم قبوراً فإن البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة لا يدخله الشيطان” (رواه مسلم وأحمد والترمذي والنسائي وقال الترمذي: حسن صحيح.) وسئل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن صلاة التطوع في البيت فقال : صلاة الرجل في بيته تطوعا نور فمن شاء نور بيته.( رواه أحمد )
2- يسن أن يفصل بين كل فرض وسنته بقيام أو كلام .
3- سنة الجمعة بعدية ركعتان في البيت أو أربع ركعات في المسجد : ذكر أبو داوود عن ابن عمر رضي الله عنه أنه إذا صلى في المسجد صلى أربع، وإذا صلى في البيت صلى ركعتين ونقل ابن القيم عن ابن تيمية أنه قال ذلك .
4- يجوز التنفل وأنت قاعد ؛ غير أن للمتنفل القاعد من الأجر نصف ما للمتنفل القائم . عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه قَالَ: «سَأَلْتُ النّبِــيّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الّذِي يُصَلّي قَاعِداً؟ قَالَ: «مَنْ صَلّى قَائِماً فَهُوَ أَفْضَلُ وَمَنْ صَلّى قَاعِداً فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ ( رواه البخاري والترمذي وقال حديث حسن صحيح )
كتبها : جمال الدين أحمد علي .
المراجع : الفقه على المذاهب الأربعة للشيخ عبد الرحمن الجزيري . بداية المجتهد لابن رشد الحفيد .
فتح القدير، شرح الجامع الصغير للشيخ عبد الرؤوف المناوي . شرح مسلم للنووي .
نصب الراية في أحاديث الهداية للشيخ جمال الدين الزيلعي . المغني لابن قدامة .
نيل الأوطار للشوكاني . سبل السلام للصنعاني .
منهاج المسلم للشيخ أبو بكر الجزائري . فقه السنة للشيخ سيد سابق .